إدانة السعودية للاعتداءات الإسرائيلية- دعوة لوقف التصعيد وحماية المنطقة

المؤلف: نجيب يماني09.06.2025
إدانة السعودية للاعتداءات الإسرائيلية- دعوة لوقف التصعيد وحماية المنطقة

بتعبير عن إدانتها القوية واستنكارها البالغ للاعتداءات الإسرائيلية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي بدأت بشكل مباغت فجر يوم الجمعة المنصرم، وتوصيف هذه الاعتداءات بأنها "وقحة" و"تمثل خرقًا وانتهاكًا صارخًا للقوانين والأعراف الدولية"، ودعوتها المجتمع الدولي ومجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياتهما لوقف ما وصفته بـ "العدوان الفوري"، تكون المملكة العربية السعودية قد رسمت المسار الأمثل والأنسب لاحتواء هذه الأزمة قبل أن تتفاقم وتتسع رقعتها، وتجذب أطرافًا إقليمية ودولية أخرى للتدخل، وفقًا لأجنداتها الخاصة، وتبعًا لتطورات الأحداث المتسارعة.

وقد صاحبت هذا الموقف المبدئي للمملكة تحركات إقليمية ودولية مكثفة، تضمنت مشاورات ومباحثات معمقة مع قادة العالم وكبار مسؤولي وزارات الخارجية، وذلك بهدف تشكيل موقف دولي موحد يضغط على الطرفين لوقف الاقتتال، والانخراط في مسار دبلوماسي يضمن الأمن والسلامة للمنطقة برمتها. بيد أن تحقيق هذه الغاية المنشودة وتعزيز نتائجها الإيجابية يتطلب إرادة دولية فاعلة، وتجردًا من كافة المصالح والأجندات الضيقة والتحيزات المسبقة، مع إدراك كامل للآثار الوخيمة التي قد تنجم عن استمرار هذه الحرب وتوسع نطاقها.

إن المنطق الرشيد يقتضي منا استعراض جميع الخيارات المتاحة، والتأمل في العواقب المحتملة لهذه الحرب، استنادًا إلى المعطيات الملموسة والمشاهدات القائمة. فمن المرجح أن فرص التصعيد العسكري هي الأكثر بروزًا في المشهد الراهن، بالنظر إلى الهجمات الإسرائيلية المستمرة وردود الفعل الإيرانية التي تغذيها مشاعر الإجحاف والظلم، الناجمة في المقام الأول عن الشعور بالخديعة. إذ لم يكن من المتوقع - تحت أي ظرف من الظروف - الذهاب إلى التصعيد العسكري قبل الوقوف على نتائج الجولة الثانية من المباحثات التي كان من المقرر عقدها في العاصمة العمانية مسقط مع الجانب الأمريكي يوم الأحد الماضي. ومن الطبيعي أن هذه الجولة لم تنعقد بعد الأحداث الأخيرة، حيث كانت الضربة العسكرية الإسرائيلية استباقية وغير متوقعة على الإطلاق.

أما الدافع الآخر للشعور بالظلم، والذي يبدو الأشد وطأة والأعمق جرحًا، فيتمثل في الضربة الموجعة التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية، واستهداف العلماء العاملين فيها، إضافة إلى مجموعة من قادة الحرس الثوري والأمن، مما أثار علامات استفهام واسعة، وتساؤلات ملحة، وسيناريوهات مضطربة تحاول فك رموز هذا الاختراق الأمني المريب، الذي أتاح توجيه ضربة قاسية بهذا الحجم لنظام عُرف، لسنوات طويلة، بقبضته وسطوته الأمنية المحكمة. ولعل أقرب السيناريوهات المفسرة لما حدث يتعلق بحصول إيران على وثائق سرية في شكل ملفات حساسة بصيغة (PDF) وصفتها بـ "الكنز الاستراتيجي"، وتضمنت آلاف الوثائق والمعلومات السرية، التي يتعلق معظمها بالبرنامج النووي الإسرائيلي. ولم يكن ذلك إلا فخًا إلكترونيًا مُحكمًا، مكّن إسرائيل من تحديد أهدافها بدقة وحسم، وفي وقت قياسي ومفاجئ. وهي فرضية أرجحها، وإن كنت لا أستبعد وجود اختراق أمني من قبل جواسيس في طهران يعملون لصالح تل أبيب.

ولكن، مهما بلغت حرفية هؤلاء الجواسيس، فمن غير المرجح أن يتمكنوا من توفير معلومات بهذه الدقة، وتمكين إسرائيل من استهداف المشروع النووي والعسكري الإيراني بهذه الدقة المتناهية. فالأرجح أن الأمر ينطوي على استخدام مكثف للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي الذي خُدعت بواسطته إيران.

وعلى أي نحو صحت الرواية، فإن إيران قد تعرضت للخديعة. والراجح أنها الآن في حالة من التردد بين الصدمة والحاجة الملحة إلى الرد والانتقام الفوري، لإزالة آثار الضربة الموجعة، والتخفيف من حرج انكشاف غطائها الأمني، وتقصيرها الاستخباري. والمحصلة النهائية هي ما نشهده من تبادل لإطلاق الصواريخ بأنواعها وأهدافها ومدياتها المختلفة.

وتكمن خطورة هذا الاستهداف الصاروخي في أنه قد يخرج في بعض الأحيان عن أهدافه العسكرية ويطال المدنيين، مما يعني منح المبرر لإسرائيل للقيام برد مماثل، وهو ما سيؤدي إلى خروج الحرب عن أهدافها الأساسية، وتحويلها إلى حرب مفتوحة مدمرة.

وهنا يكمن خطر توسع نطاق الحرب إلى المحيط الإقليمي، الأمر الذي سيؤدي بلا شك - في حال استمرار الصراع لفترة طويلة - إلى حرب عالمية، لا قدر الله.

إن الاستجابة الدولية السريعة لصوت العقل المنطلق من المملكة العربية السعودية، والمدعوم من جميع محبي السلام والأمن، ستدفع بلا شك نحو التوصل إلى حل يطفئ نار هذه الحرب الكارثية.

ومهما كانت نتائج هذه التحركات ونهايتها، فمن المؤكد أن تغييرًا جذريًا سيشهده الشرق الأوسط، مما يتطلب وعيًا جديدًا، وقراءة متعمقة للمشهد، مع تقدير سليم للمعطيات المتاحة لكل دولة، وتوظيف الإمكانات المتاحة لخدمة مصالح الشعوب ورفاهيتها، بعيدًا عن تيارات التجاذب الأيديولوجي والشعارات الديماغوجية العصبية، ومحاربة الأوهام.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة